موقع الأستاذ الدكتور / فهد بن حمود العصيمي

ما شاء الله تبارك الله

اهتم الإسلام بالبيت المسلم

اهتم الإسلام بالبيت المسلم لأنه اللبنة الأساسية للمجتمع فإن كانت قوية فإن البناء يكون سليمًا، ويقصد بالبيت المسلم أنه يتكون من مجموعة أفراد (الوالدين والأولاد) وهم سيعيشون في إطار وحدود معينة ويلتزمون بشريعة الإسلام.

وتتمثل عناصر هذا البيت المسلم في الآتي:

1- الكيان المادي الذي يجمع الأفراد.

2- الأفراد المكونين للأسرة (الوالدين والأولاد).

3- مدى الالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية في شئون البيت.

4- هدف البيت هو الحياة الآمنة في الدنيا والفوز برضا الله عز وجل.

قتصاديات البيت المسلم وخصائصه

1- قواعد دستورية من الاقتصاد الإسلامي للبيت المسلم.

2- كيفية إعداد الميزانية في البيت المسلم.

3- قواعد وضع الميزانية للبيت المسلم.

4- موجبات جلب الرزق.

5- سلوكيات الرسول في الأزمات الاقتصادية.

6- عبر من سلوكيات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

7- خاتمة وفوائد التوازن.

أولاً: خصائص البيت المسلم

وللبيت المسلم خصائص تميزه وتعينه على أداء دوره المنوط من قبل الله عز وجل:

1- يؤمن أفراده بأن حياتهم لله جل وعلا وغايتهم العبادة من كل مظاهر الحياة (عمل- زواج- إنجاب). ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام)
كما قال الله عز وجل عن مظاهر متعددة للطاعة والعبادة:

﴿فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)﴾

2- كما يؤمنون أن الحياة قصيرة وأنهم سوف يبعثون ويحاسبون ومن ثمة فلا يجب البناء في الدنيا وترك الآخرة بل يجب التوازن بينهما.

كما أرادنا الله جل وعلا: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)﴾ (القصص).

3- ومن خصائص هذا البيت المسلم أيضًا أنهم يؤمنون بأنه سوف يجمعهم الله في الجنة مع بعضهم كما يبشرهم جل وعلا.. ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ (الطور: من الآية 21).

4- ولأداء هذه المهام يجب التدقيق في الاختيار من الطرفين للزوج.. “تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس”، “إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.

5- يتحلى أفراد البيت بالأخلاق الحميدة التي تحقق لهم حسن العشرة لتربية النشء على المودة والمحبة والمعاملة الطيبة، يقول جل وعلا: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء: من الآية 19).

كما أمر الإسلام الزوجة بحسن التبعل، فقال النبي الكريم- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “جهاد المرأة حسن التبعل”.

والبيت المسلم من خلال خصائص كثيرة يتبعها في الإنفاق، فهذا الإنفاق ينبع من عقيدة يعمل بها المسلم وهي الاعتدال في النفقات فلا إسراف ولا تقتير.

كما وصف الله عباده الصالحين: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْيُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)﴾ (الفرقان)

ثانيًا: اقتصاديات البيت المسلم وخصائصه

وللاقتصاد خصائص عدة:

1- اعتدال وتوازن.

2- الكسب الطيب.

3- فصل الذمة المالية للرجل عن الذمة المالية للمرأة.

4- الالتزام بأولويات عند الإنفاق.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في حديثه الشريف: “كُلْ ما شئت وألبس ما شئت دون سرف أو مخيلة”.

1- الاعتدال والموازنة:

يقول الله جل وعلا: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (البقرة: من الآية 143)، لا إسراف ولا تقتير فهو قائم على توازن بين إشباعٍ مادي وإشباع روحي وتوازن بين متطلبات الحياة الدنيا وبين العمل للآخرة، وأساس هذا قوله عز من قائل: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)﴾ (القصص).

والموازنة بين الكسب والإنفاق حتى يتحقق الاستقرار في الميزانية ويجنب الإنسان الوقوع في مشاكل الديون أو محظور التقتير، وكانت أحد الزوجات توصي زوجها وتقول:
“إن حمل الديون أثقل من حمل الصخور”.

وأوصى الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فقال: “رحم الله امرأً اكتسب طيبًا وأنفق قصدًا وقدَّم فضلاً ليوم فقره وحاجته”.

2- وأما الكسب الطيب:

فهو قائم على عدة جوانب عقائدية وروحية وأخلاقية، وقد أكد القرآن على هذا في مواضع عدة منها قوله جل وعلا:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)﴾

والنبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا”.
ويجب على البيت المسلم تجنب الخبائث فليس بها منفعة مشروعة وما يسببه من أضرار كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ (البقرة: من الآية 173).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ (المائدة: من الآية 90).

3- أما فصل الذمة المالية للرجل عن الذمة المالية للمرأة فقد أقرَّه الإسلام؛ فللمرأة حق تملك الصداق والحق في الميراث كما لها حق التملك فيقول جل من قائل: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ (النساء: من الآية 32).

كما جعلها مستخلفة في بيت زوجها وهي مأجورة إن أحسنت، وعليها وزر إن أساءت فقال النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها”.

وقالت أسماء بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- “كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، أسوس له فرسه وأعلفه وأحتسي له وأخرز الدلو وأسقي الماء وأحمل على ظهري النوى”.
وهذا نموذج رائع لمعاونة الزوجة لزوجها في أمور البيت.

وتقول الدكتورة إيرا يليسن الأمريكية: “إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف الدخل فانخفض المستوى الأخلاقي”.

4- وأولويات الإسلام التي يفترض الالتزام بها:

هي تقسيم الأولويات إلى:

1- ضروريات.

2- حاجات.

3- تحسينات.

وهذا لتحقيق المقاصد الخمسة للشريعة لحفظ:

1- الدين.

2- النفس.

3- العقل.

4- العرض.

5- المال.

وتأسيسًا لذلك يجب وضع أوليات الإنفاق في حدود الكسب فلا يجوز أن ينفق على الكماليات والتحسينات دون وفاء الضروريات والحاجات.

ثالثًا: قواعد دستورية من الاقتصاد الإسلامي للبيت المسلم

وتتمثل هذه القواعد في مجموعة مستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية والتي تحكم معاملات البيت المسلم الاقتصادية لتحقيق المقاصد العامة للشريعة ولتحقيق الإشباع المادي والروح معًا وهي:

1- قواعد العمل والكسب.

2- قواعد الإنفاق.

3- قواعد الادخار والاستثمار.

4- قواعد الملكية.

1- ونبدأ بقواعد العمل والكسب في البيت:

العمل واجبٌ شرعي وضرورة بشرية في الإسلام، ولقد أكد على ذلك الله سبحانه وتعالى في كثير من الآيات فقال عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)﴾ (الملك).

وأثنى رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- على مَن يأكل من عمل يده فقال:”ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”.

ولقد تضمَّنت الشريعة الإسلامية القواعد التي تُنظم العمل لأجل الكسب الطيب والتي تعتبر حاكمةً للبيت المسلم أسسها:

(أ) مسئولية الرجل العمل والكسب وعلى المرأة مسئولية البيت:

على الرجل رب الأسرة العمل الجاد الشريف الطيب للحصول على الكسب الطيب الحلال هذا من بين أسباب قوامة الرجل على المرأة، وأصل ذلك من القرآن الكريم قوله تبارك وتعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: من الآية 34).

فقوامة الرجل تُحمِّله مسئولية أن يكفي الزوجة والأولاد مؤنة الحياة في ضوء ما أعطاه الله من إمكانيات وقدرات، وعندما زوَّج الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ابنته فاطمة قال للإمام علي رضي الله عنه: “عليك الكسب وعليها مسئولية المنزل”.

وقد روى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلي كرم الله وجهه ما كان خارجًا عن البيت من عمل.

ويجب على الرجل أن يستشعر أن هذا العمل عبادةٌ وطاعةٌ لله وليس فقط مهنةً أو وظيفةً أو منصبًا.

فيقول الإمام أبو الحسن البصري: (استحضروا النيةَ في عملكم ويصبح عبادةً).

ويعني هذا أنه إذا احتسب الإنسان العمل عند الله وابتغاء مرضاة الله تحول هذا العمل إلى عبادة.

(ب) للمرأة حق العمل والكسب بضوابط:

لقد كفل الإسلام للمرأة حق العمل الشريف الذي يتناسب مع طبيعتها وطبقًا لضوابط شرعية للمحافظة على ذاتيتها وكرامتها مع التيقن الدائم بأن مجال عمل المرأة هو البيت والقيام بتدبير شئونه، ولقد استنبط علماء التفسير من قول الله عز وجل: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ (النساء: من الآية 32) أن في هذا دليلاً على حق المرأة للعمل لأجل الكسب، ولقد أثبتت السيرة النبوية الشريفة اشتراك المرأة في عهد رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في الغزوات فكانت النساء تقمن بالتمريض والتموين ونقل الجرحى، كما ثبت اشتغال بعض النسوة بالتجارة ومساعدة الزوج في الزراعة، ولقد حدد الإسلام للمرأة مجالات تناسب طبيعتها كأن تكون مدرسةً أو طبيبةً أو ممرضةً أو مشرفةً اجتماعيةً أو ضابطة شرطة نسوية أو أستاذة لطالبات، ومنعها أن تزاحم الرجال أو تنافسهم على عملهم، ولم يجز لها أن تتولى أعمال الخلافة أو أعمال القضاء أو الحراسة الليلية أو أن تتولى الأعمال الشاقة في الحروب أو الأعمال التي تُؤثر على الجنسين أو تقوم بأعمال التشريع والمراقبة.

ملاحظة:

لا يجب أن يكون عمل المرأة على حساب البيت وحقوق الزوج وحقوق الأولاد، وأن تلتزم بالقواعد الشرعية التي تُنظم ذلك.

(ج) أن يكون الكسب طيبًا حلالاً:

يجب على الرجل أن يبحث عن العمل الطيب حتى يكون الكسب حلالاً، ولقد أكد على ذلك القرآن الكريم فقال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 172)، كما قال عز وجل ﴿وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ﴾ (الأعراف: من الآية 157).

وفي الحديث الشريف يقول النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “رحم الله امرأً اكتسب طيبًا وأنفق قصدًا وقدَّم فضلاً ليوم فقره وحاجته”.

وفي هذا الحديث الشريف يؤكد النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- على الكسب الطيب والاقتصاد في الإنفاق وعلى ادخار واستثمار الفائض للمستقبل لحين الحاجة، أليس كما روى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “إن الله تعالى طيبًا لا يقبل إلا طيبًا”.

ويجب على الرجل أن يستشعر أن الغاية الأساسية من هذا الكسب هو بناء جسده وجسد أهله وأولاد لتقويتهم على طاعة الله، ومن ثم لا يجب أن تُبنى هذه الأجسام من الخبيث الحرام، وفي هذا المقام يقول رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:”مَن كسب مالاً حرامًا فتصدق به لم يكن له أجر وكان إصره عليه”.

كما روى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال: “والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده في الناس إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث”.

كما قال رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “لا يربو لحم من سحت إلا كانت النار أولى به”.

ولقد أوصت إحدى الصالحات زوجها عندما خرج للعمل سعيًا وراء الرزق قائلةً له: “إياك وكسب الحرام فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار”.

(د) العمل في حدود الطاقات والإمكانات:

أحيانًا يقوم بعض الرجال بالإفراط في العمل على حساب أهله وولده معتبرًا أن ذلك من الشرع ويترتب على ذلك أضرار عديدة من بينها: جفاء الحياة في المنزل وحرمان الزوجة من بعض حقوقها والتقصير في تربية الأولاد وإعدادهم الإعداد الإسلامي.

ولقد أكد الله سبحانه وتعالى أن يكون العمل في ضوء الطاقات والإمكانات البشرية والزمنية فقال: ‌﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (البقرة: من الآية 286)، وتعني أن الله لا يكلف العباد من أعمال القلب والجوارح إلا وهي في وسع المكلف وفي مقتضى إدراكه وبنيته.

ومن هدي الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في هذا الأمر قوله “لا تكلفوهم ما لا يطيقون وإن كلفتموهم فأعينوهم”، ويعني هذا أن يكون الجهد المطلوب للعمل في ضوء الاستطاعة.

ولا يجب بحالٍ من الأحوال أن يطغى العمل على حقوق البيت والزوجة والأولاد فإن لكل منهم حقًّا يجب المحافظة عليه، من ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “إن لنفسك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليه حقًّا، وأن لجسدك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه”.

(هـ) تدريب الأولاد وتنشئتهم على العمل:

اهتمَّ الإسلام بالأولاد وتنشئتهم على الخشونة والرجولة وبتهيئة فرص العمل لهم في سن مبكرة ونهى الإسلام عن الميوعة والانحلال المستورد في بلاد الفساد الأخلاقي، فالقرآن الكريم دستور الأمة يقول فيه الله-عز وجل- ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (النساء: من الآية

وفي هذا إشارة إلى أننا يجب أن ندفع اليتامى متى وصلوا لسن الرشد إلى العمل، وهذا أحرى بغير اليتامى، ويقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا”.

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “علموا أولادكم الرماية والسباحة، ومروهم أن يثبوا على الخيل وثبًا”.

ومما لا شك فيه أن إتاحة فرص العمل للأولاد في سنِّ الشباب أو عندما يقدر على ممارسة العمل يحقق مزايا من أهمها: تربيته على الخشونة ومساعدة الوالدين في تحقيق الكسب.
ويعتبر ذلك تدريبًا مبكرًا على أداء العمل فيزداد خبرةً كما يعتبر كل هذا زيادة في إنتاج المجتمع الإسلامي، وروى أحد المهتمين بالاقتصاد الإسلامي في مجال التطبيق أن الطفل يحاول أن يثبت وجوده فيحاول أن يركب عصا على أنها جواد ويتخيل أنه رجل كبير وأنه فارس عظيم فإذا كبرت سنه وصار شابًا بدأ يتطلع إلى أن يكون رجلاً ولو لم يبلغ سن الرجولة، فتراه يجلس في مجالس الرجال ويسمع منهم ويحاول حمل السلاح في الجهاد.
والصبي لا يصل إلى هذه المرحلة فجأة بل يمر قبلها بمراحل قبل سن الشباب ففي الحديث الشريف الذي يحث على تعليم الأولاد الصلاة “مروهم لها لسبع واضربوهم عليها لعشر”.

أي أن الصبي في السابعة ينفعه في الصلاة النصح والإرشاد فإذا وصل العاشرة صار النصح تعنيفًا لأنه أصبح يتحمل المسئولية.

ويخلص من ذلك إلى أنه يجب في خلال مرحلة التعليم أن يدرب الولد على العمل حتى إذا وصل سن الرشد يمكنه العمل مستقبلاً، وهذا يفتح له آفاقًا طيبة، ويشارك في بناء المجتمع.

2- قواعد الإنفاق في البيت المسلم:

يقصد بالإنفاق هو صرف المال الحلال للحصول على منافع مادية أو معنوية مشروعة تساعد أفراد الأسرة في تحقيق الإشباع المادي والروحي، وهناك أنواع متعددة للإنفاق منها:

الإنفاق على الاستهلاك، والإنفاق لأجل الاستثمار للأجيال القادمة أو للمستقبل والإنفاق على أوجه الخير للحصول على الأجر في الآخرة مثل الزكاة والصدقات التطوعية.

وقد تضمنت الشريعة الإسلامية قواعد تنظيم الإنفاق والنفقات في البيت المسلم:

1- من مسئولية الرجل الإنفاق على البيت:

من مسئولية الرجل أن يُنفق على زوجته وأولاده باعتدال حسب العادة والبيئة وفي حدود الطاقات المالية، ولقد ورد بالقرآن الكرم قول الله تبارك وتعالى.

﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)﴾ (الطلاق).

وقال رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “مَن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة”، ويشير هذا الحديث إلى أن الإنفاق المشروع على أهل البيت يتحول من إنفاقٍ مادي إلى عبادة روحية يحصل المنفق بها على الأجر من الله، وفي حجة الوداع قال الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله لكم عليهن ألا يوطئن فراشكم أحد تكرهون ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف”.

وسأل رجل رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: ما حق المرأة على زوجها؟ فقال “يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يهجرها إلا في البيت ولا يضربها ولا يقبح”. وقالت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان للرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: إن أبا سفيان شحيح لا يُعطي من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما آخذُ من ماله بغير علم، فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك”. وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قال: “عندي دينار. قال: تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر. قال: تصدق على زوجتك، قال: عندي آخر. قال تصدق به على ولدك. قال: عندي آخر. قال: تصدق به على خادمك”.

وفي كل الأحوال نفقة الزوجة واجبة على زوجها أما إذا لم تُمكِّنه من نفسها أو خرجت من داره بغير إرادته أو إذنه فلا نفقةَ ولا كسوةَ لأنها تعتبر ناشزًا وعاصية.

2- إلزام الرجل بالإنفاق على مطلقته الحامل:

يلزم الشرع الرجل أن ينفق على زوجته السابقة التي طلقها إن كانت حاملاً حتى تضع حملها فلقد ورد في القرآن الكريم قوله الله عز وجل: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ (الطلاق من الآية 6).

ولقد ورد في تفسير هذه الآية إن كانت مطلقة حاملاً فعلى الزوج أن ينفق عليها ولو طالت مدة الحمل حتى تضع حملها فإذا ولدت ورضيت أن تُرضع له ولده فعلى الرجل أن يدفع لها أجر الرضاعة؛ لأن الأولاد ينسبون إلى الآباء، ويقول ابن تيمية: “لا تجب النفقة إلا على الميسر أما المعسر فلا نفقة عليه”.

3- الإلزام بالإنفاق على الوالدين:

من حق الأولاد الإنفاق على الوالدين عند الكبر، وهذا يعتبر أحد صور الإحسان إليهما كما أشار إلى ذلك قول الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء: من الآية 23)، ولقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: “يأكل الوالدان من مال ولدهما بالمعروف وليس للولد أن يأكل من مال والديه إلا بإذنهما”.

وقال ابن تيمية: على الولد الموسر أن يُنفق على أبيه وزوجة أبيه وعلى إخوته الصغار وإذا لم يفعل كان عاقًّا لأبيه قاطعًا للرحم، ويجب على الزوج والزوجة أن يؤمنا بأن الإنفاق على الوالدين واجبٌ وملزم ديانةً وقضاءً وليس تبرعًا ولا منةً ولا تفضلاً، ومن ناحية أخرى فإن الصدقات التطوعية على المحتاجين من الأهل والأقارب أولى، أما الزكاة فلا تجوز أن تُعطى للأقارب الملزم بإعالتهم.

4- جواز مساعدة الزوجة لزوجها:

إذا كانت إيرادات الرجل لا تكفي مؤنة البيت الضرورية وكان فقيرًا فيجوز للزوجة أن تساعد زوجها من كسبها أو من مالها؛ وذلك بطيب خاطر وهذا يعتبر نوعًا من أنواع التعاون على الخير الذي حثَّت عليه الشريعة الإسلامية، كما يجوز للزوجة أن تعطي زكاة مالها لزوجها الفقير الذي تجب عليه الزكاة، كما يجوز لها أن تُقرضه قرضًا حسنًا إذا لم يكن من مستحقي الزكاة، وهذا التعاون لأداء رسالة البيت المسلم ولتحقيق أهدافه

5- من مسئولية المرأة تدبير شئون البيت المالية:

الرجل عليه الإنفاق والكسب من المالك الحلال وتتولى المرأة تحديد نفقات البيت المطلوبة مثل المأكل والمشرب والملبس والمسكن وغيرها من النفقات اللازمة لتحقيق مقاصد الشريعة وهي:

حفظ الدين والعقل والعرض والنفس والمال، وتطلب النفقات اللازمة لذلك من الرجل، وهذا مستنبط من قول الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “والمرأة راعية في بيت زوجتها ومسئولة عن رعايته” وقوله أيضًا: “إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخادم مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا”.

ويجب أن تكون المرأة مقتصدةً مصداقًا لحديث الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “ما عال مَن اقتصد”، وأن تكون قانعةً بما رزقها الله مستشعرةً قول الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “لقد أفلح مَن أسلم وكان رزقه كفافًا وقنَّعه الله بما آتاه”.

إذا لم تكن في البيت امرأة حرة تدبره ضاعت مصالح داره

المرأة تبني والمرأة تخربه فهي أصل تقدمه وسعادته

6- الموازنة بين الكسب والإنفاق:

يجب على الزوجة ألا تُكلِّف الزوج ما لا يطيق، وأن تدبر النفقات في حدود الكسب (الإيرادات) والأدلة الشرعية على ذلك كثيرة منها قول الله تعالى:﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (البقرة: من الآية 286)، وقوله عز وجل﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة من الآية 236)، وقال الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:”لقد أفلح مَن أسلم وكان رزقه كفافًا وقنَّعه الله مما آتاه”.

وفي هذا الخصوص يقول أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-: “إني لأبغض أهل البيت الذين ينفقون رزق أيامٍ في يوم واحد”، ويقول لمعاوية: “حسن التدبير نصف الكسب وهو نصف المعيشة”، ولقد أوصت سيدة صالحة ابنتها فقالت: “لا تكلفي زوجك إلا ما يطيق طبقًا للأحوال وارفعيه بيدك عن مواطن الضيق فحمل الصخور أخف من حمل الديون”.

7- الإنفاق في مجال الطيبات:

كما أمر الإسلام أن يكون الكسب طيبًا أمر كذلك أن يكون الإنفاق في مجال الطيبات التي تعود على الإنسان بالنفع، وأساس ذلك قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (البقرة:

كما يقول جل وعلا: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ﴾ (المائدة: من الآية 4).
وكيف أن يستشعر الزوج والزوجة أنهما سوف يؤجران على الإنفاق، متى كان طيبًا ومشروعًا والأجر هنا مرتبط بأن يكون مجال الإنفاق طيبًا وهذا نجده في أحاديث كثيرة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “إن الله طيبًا لا يقبل إلا طيبًا”.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: “إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها”، إن الالتزام بهذه القاعدة يجنب البيت المسلم الكثير من المشاكل الناجمة عن الإنفاق في مجال الخبائث والمنكرات ويجنب الوقوع في المعاصي.

8- الإنفاق حسب الأولويات الإسلامية:

لقد وضع الإسلام أولويات يجب الالتزام بها في شئون الحياة وبصفة خاصة في مجال الإنفاق لتحقيق المقاصد الشريعة وهذه الأولويات هي:

أ- الضروريات: ويقصد بها النفقات الضرورية بأنها ما ينفق لقوام الناس والمخلوقات وتحقق المقاصد الشرعية ولا يمكن أن تستخدم الحياة بدونها مثل نفقات المأكل والمشرب والمسكن والصحة والأمن والعلم والزواج.

ب- الحاجات: ويقصد لها ما ينفق على ما يحتاجه الناس لجعل حياتهم ميسرةً وتخفف من المشاكل والمتاعب ولا يجب الإنفاق على الحاجات إلا بعد استيفاء مطالب الضروريات وهي أيضًا تتعلق بالمقاص الشرعية

ج- التحسينات: وتتمثل في بنود النفقات التي تجعل من حياة الإنسان حياةً رغدةً طيبةً وعلى أحسن حال عند حالة الضروريات والحاجيات وكل ما يتعلق بالمقاصعد الشرعية وعلى نفس المنوال لا يحق للمسلم أن ينفق على التحسينات إلا بعد نفقات الضروريات والحاجيات ومن هنا يجب على أفراد البيت المسلم الالتزام بهذه الأولويات عند الإنفاق لتحقيق مقاصد شرعية ومن ناحية أخرى لا يجوز إنفاق المال فيما يعرض هذه المقاصد للهلاك والضرر مثل شراء المدمنات والمكيفات والدخان والخمور وشراء الأفلام الفاسدة وما شابه ذلك.

ويتطلب تطبيق هذه القاعدة أن تقوم مدبرة البيت شهريًّا بحصر النفقات وتقسيمها إلى ثلاث مجموعات حسب الأولويات ثم تقدر الإيرادات المتوقعة وفي ضوء ذلك ترتب بنود الإنفاق وهذا يجنب البيت المسلم معظم المشاكل الناجمة عن الإسراف والتبذير في بنود ليست من الضروريات.

9- تجنب النفقات الترفيهية:

تحرم الشريعة الإسلامية النفقات الترفيهية وما في حكمها لأنها تؤدي إلى الفساد والهلاك وهذا مستنبط من قول الله عز وجل ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)﴾ (الإسراء).

ومن صفات الكافرين بنعمة الله، الترف وهذا واضح في قوله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (المؤمنون: من الآية 33)

والأحاديث النبوية الشريفة الواردة في تحريم الترف كثيرة منها قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “كل ما شئت واشرب ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة”، مروي عن ابن عمرو بن عباس رضي الله عنهما

10- تجنب النفقات غير المشروعة:

بالإضافة إلى تحريم الإسراف والتبذير والترف، ومن باب سد الذرائع لا بد من تجنب كل إنفاق لا تقابله منفعة مادية أو معنوية مشروعة، وكل ما يغضب الله عز وجل، ومن أمثلة هذه النفقات غير المشروعة الإنفاق على وسائل اللهو غير المشروعة وشراء المأكولات والمشروبات التي تضر بالفرد والمجتمع مثل لحم الخنزير والمشروبات الكحولية والدخان.. أي يجب أن يكون الإنفاق في مجال الطيبات المباحة، وهذا مستنبط من قول الله عز وجل: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ (الأعراف: من الآية 32).

ويعتبر ما ينفق على البدع والعادات السيئة المستوردة لنا

11- الوسطية في النفقات:

يقوم الإسلام على الوسطية في كل شيء ومنها الاعتدال في الإنفاق عليها دون إسراف، ويؤدي التقتير إلى حبس المال وتجميده على هذه القاعدة من القرآن هو قول الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)﴾ (الفرقان).
وقوله عز وجل ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)﴾ (الإسراء).

لذلك يجب على أهل البيت المسلم الاقتصاد في النفقات متجنبين الإسراف والتبذير والتقتير؛ ولذا أكد على ذلك الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:”رحم الله امرأً اكتسب طيبًا وأنفق قصدًا وقدم فضلاً ليوم فقره وحاجته”، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “من فقه الرجل قصده في معيشته” ويحذرنا الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من الإسراف في معيشته حتى وإن كان في الماء، فقال لجابر وهو يتوضأ “ما هذا السرف؟” فقال جابر رضي الله عنه وأرضاه أو في الوضوء سرف يا رسول الله فقال: “نعم لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جار”.

وهذه هي القواعد التي أوضحتها الشريعة في مجال النفقات في البيت المسلم، وأن يتأتى المسلم وينظر فيما ينفق فإن كان لله أمضاه وما كان غير ذلك فليمتنع.

3- قواعد الادخار والاستثمار في البيت المسلم:

يحث الإسلام على الاقتصاد في النفقات فلا إسراف ولا تقتير وادخار ما يفيض عن الحاجات واستثماره ليوم الحاجة، ولقد وضع القواعد الشرعية التي تنظم الادخار والاستثمار للبيت المسلم على النحو التالي:

(أ) الادخار ما يفيض عن الحاجات الأساسية:

لقول رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “رحم الله امرأً اكتسب وأنفق قصدًا وقدَّم فضلاً ليوم فقره وحاجته”، ومن هنا تكون معادلة الادخار على النحو التالي:
ادخار= الكسب الطيب- الإنفاق المقتصد
ويُفهم من ذلك بأن أركان الادخار هي:

1- الكسب الطيب في ضوء الطاقات والإمكانات.

2- الاقتصاد في النفقات طبقًا للأولويات الإسلامية

(ب) ادخار الفائض لوقت الحاجة أمر وجوبي:

يمر البيت المسلم بحالات رخاء واسعة في الرزق، كما يمر بحالات شدة وضيق في الرزق لذلك يجب أن يأخذ من وقت الرخاء لوقت الشدة؛ لأن الفرد لا يعلم ماذا يكسب غدًا، وهذا أمر جلي واضح في قوله تعالى: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (لقمان: من الآية 34)، ويعتبر الادخار لوقت الحاجة والفقر من الأخذ بالأسباب ولكن لا يغني عن قدر الله سبحانه وتعالى.

(ج) للأجيال القادمة حق في أموال الأجيال الحاضرة:

يحث الإسلام كذلك على أن يستشعر الوالدان أن للأجيال القادمة حقًّا في أموالهم، ويعني هذا أنهم لا يجب أن يسرفوا أو يبذروا، ولقد أشار القرآن الكريم على ذلك في قول الله جل وعلا: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)﴾ (الحشر).

والسنة النبوية الشريفة تؤكد ذلك، ومن قول النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لسيدنا سعد بن أبي وقاص عندما أراد أن يتصدق بماله كله فقال: “الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس أعطوهم أو منعوهم وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها”، ويجب على الفرد أن يستشعر أنه إذا ترك ولدًا صالحًا يدعو له أو مالاً مستثمر ويحث الإسلام على عدم الإسراف والتبذير حتى يتمكن من الادخار لخدمة الأجيال القادمة.

(د) استثمار المال الفائض وعدم اكتنازه:

يحرم الإسلام الاكتناز بكافة أنواعه وأشكاله وهناك من الفقهاء من يأخذ هذا من قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)﴾ (التوبة).

فهناك من الفقهاء من يفسر كلمة ينفقونها أي يستثمروها في الأوجه التي تعود على المسلمين بالخير وتعتبر زكاة المال من بين المحفزات على الاستثمار وعدم الاكتناز ففي هذه الخصوص يقول رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “من ولي يتيمًا فليتجر له في ماله حتى لا تأكل الصدقة”، كما قال الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “اتجروا في أموال اليتامى”، كما قال الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: “اتجروا في أموال اليتامى حتى لا تأكلها الصدقة”؛ لذلك يجب على أفراد البيت المسلم أن يكون لديهم تصور إسلامي لاستثمار ما يفيض عن الحاجة وتحديد أوجه هذا الاستثمار فقد يكون قصير الأجل أو متوسطًا أو طويلاً، ومن صيغ الاستثمار المتاحة أمام البيت المسلم.

1- الاستثمار الفردي في مشروعات تجارية أو صناعية.

2- الاستثمار عن طريق المضاربة الإسلامية مع أطراف آخرين.

3- الاستثمار عن طريق المشاركات الإسلامية.

4- الاستثمار عن طريق إيداع الأموال في المصارف الإسلامية أو شركات توظيف الأموال الإسلامية.

5- الاستثمار التعاوني الإسلامي.

(هـ) أن يكون استثمار المال في مجال الطيبات الحلال:

مجال الاستثمار يجب أن يكون طيبًا بعيدًا عن المعاملات الربوية الخبيثة والمفسدات فالكسب الحلال والاستثمار الحلال حلقةً متصلةً بعضها البعض، ويجب على أفراد الأسرة أن يتجنبوا دائمًا الربا فقد قال ربنا عز وجل ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ (البقرة: من الآية 276).

وحذرنا الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من الربا فقال: “درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل في الإسلام وهو يعلم”.

4- قواعد الملكية في البيت المسلم:

تعتبر الملكية في الإسلام ضرورة لأنها الدافع إلى العمل والإنتاج وتعمير الأرض، كما تعتبر الملكية الخاصة هي الأصل والأساس في المنهج الإسلامي وفي فطرة الإسلام حب للمال وتملكه كما قال الله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾ (آل عمران: من الآية 14).

ولقد تضمنت الشريعة الإسلامية قواعد تنظم ملكية الأموال لأفراد البيت المسلم من أهمها:

(أ) إن ملكية الأموال للأفراد زائلة ومؤقت:

فلا بد من أن يؤمن أفراد المسلم بأن ملكيتهم للمال ملكية زائلة وتنتهي بانتهاء الأجل وتنتقل لورثته حتى يرث الله الأرض ومن عليها، أساس ذلك قول الله تعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ (الحديد: من الآية 7).

وقوله عز وجل ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)﴾ (مريم).
وهذه القاعدة تجعل المسلم يُسخِّر هذه الملكية الزائلة للحياة الباقية ويجعلها أداة تعينه هو وزوجته وأولاده على عبادة الله فنعم المال الصالح في يد الرجل الصالح.

ومن ناحيةٍ أخرى فلا بد ألا يحرم نفسه أو زوجته وأولاده من الانتفاع بهذه الأموال في مجال الخيرات وأن يجعل المال في يده وليس في قلبه.

 

المرجع : موقع منا رات التربوي بالشبكة العنكبوتية