موقع الأستاذ الدكتور / فهد بن حمود العصيمي

ما شاء الله تبارك الله

من نتائج القات والدخان

مات الطفل ابن الأحد عشر ربيعا

قبل أيام قليلة أصدر أهالي قرية مقولة بمحافظة صنعاء قرارا بعدم السماح لأطفالهم بتعاطي القات حتى في المناسبات بعد أن مات الطفل ابن الأحد عشر ربيعا، وجاء القرار تفعيلا للأعراف القبلية
حادثة وفاة الطفل شاهر إثر اختناقه بأوراق القات كانت وراء ذلك القرار الذي تبنته القبيلة والذي جاء بعد وقت قصير من وفاة جدة الطفل لوالده، وهي الحادثة التي توافد بسببها أبناء القرية لتقديم واجب العزاء في مصاب الأسرة المكلومة بوفاة الجدة، وذكر موقع ” الثورة نت ” أنه بعد مجلس العزاء أصر الطفل شاهر على تناول القات مطالبا عمه ببعض الأوراق على اعتبار أن المناسبة تحتم ذلك فقدم العم مرغما عودا من القات لابن أخيه ما جعل والد الطفل في سبيل إظهار مدى حبه لابنه أن يبالغ في إعطاء ابنه الكثير من أعواد القات تعبيرا عن حب الوالد لطفله وجبرا لخاطره أمام ضيوف العزاء لكنه لم يعلم أن ذلك سيكون سببا في فقدانه لطفله الأكبر إلى الابد.
وبعد مضي سويعات خرج الطفل للعب مع أبناء القرية وسقط على الأرض في أثناء هرولته ما أدى إلى دخول بعض فتات القات إلى القصبة الهوائية وانقطاع التنفس
وفي أثناء إسعاف الطفل كان شاهر قد فارق الحياة، مسجلا بذلك مأساة مزدوجة العزاء لوالده الذي فقد والدته في الصباح وطفله الأكبر في ساعات المساء الأولى.
الحادث أعاد طرح مشكلة قديمة جديدة تتعلق بسلبيات تعاطي القات بين اليمنيين عموما، وبين الأطفال والنساء خصوصا. وكيفية التخلص من عادة هي جزء من الموروث الثقافي والاجتماعي للمجتمع اليمني وجزء من الحياة اليومية لكل اليمنيين. لكن قبل الخوض في الجدل حول مساوئ ومحاسن تعاطي القات، لا بد من التعريف بتاريخ هذه النبتة وكيفية تجذر استعمالها بين اليمنيين، ومضارها وإيجابياتها المفترضة.

انتشار زراعة القات في اليمن

يحتل القات أهميه خاصة في عدد من دول العالم ومنها اليمن ليس لكونه محصولاً زراعياً فحسب، ولكن لأنه ظاهرة اقتصادية واجتماعية وصحية. وهـو يعـرف بالاسـم العلمـي “Catha edulis F.”، و “catha” مشتقة من التسمية العربية (قات) و edulis تعني أنه صالح للأكل أو التناول. وينتمي القات إلى عائلة Celastrineae التي تضم أكثر من 75 نوعاً (المنظمة العربية للتنمية الزراعية، 1998). وتعتبر الحبشة هي الموطن الأصلي للقات.
ظلت عادة تناول القات محصوره في أوساط طبقة الأشراف والسادة وكذلك أصحاب المال حتى عام 1803 بسبب غلاء سعره. وقد ازداد الطلب على القات وتوسعت زراعته في القرن التاسع عشر بسبب سياسة الضرائب التي مارسها الحكم العثماني على المحاصيل وخاصة البن، مما حدا بالعديد من المزارعين إلى ترك الأرض وإهمالها والتخلص من أشجار البن هروباً من الضرائب .
وقد استمرت هذه السياسة على نحو أكثر حدة من قبل الحكام الذين تعاقبوا بعد الحكم العثماني، الأمر الذي ساعد على استبدال أشجار البن بأشجار القات خصوصاً وأن الضرائب لم تكن قد سنت بعد على زراعة القات.
اعتباراً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، توسعت زراعة القات، وأصبح من المحاصيل الهامة في اليمن وتدل البيانات على أنه كان ينقل ما مقداره حمل ألف جمل سنوياً إلى مستعمرة عدن لوحدها خلال هذه الفترة..
وتشيرالأبحاث أيضاً إلى أن مضغ القات أصبح عادة شعبية اعتباراً من عام 1873 حيث توسعت زراعته حتى وصلت إلى حراز وحفاش وأصبح أهم محصول زراعي في اليمن، ومنذ بداية القرن العشرين دخل ضمن فئات المستخدمين للقات أفقر الفئات الاجتماعية بما في ذلك النساء والطلبة.
وغالبية العمال والصنايعية في اليمن يمضغون “القات”، حتى الصغار يباع لهم نوع مخفف شبيه بالقات من حيث الشكل لكي يتعودوا عليه!
ويقول المؤرخون إن اليمنيين كانوا يستعينون بالقات سابقاً للعمل في شق الجبال، ونحت البيوت المنتثرة على تلك القمم الشاهقة. ويصرف اليمنيون جل مواردهم على شراء القات. وفي دراسة لوزير الداخلية الدكتور رشاد العليمي يؤكد بأن القات كان يستورده بعض مشايخ الصوفية من “الحبشة” لمساعدتهم على العبادة والتهجد طوال الليل. ولكن بعد احتجاجات كثيرة من مختلف الشرائح الاجتماعية تم استيراده وزراعته في بلاد اليمن”.
مناطق اليمن الجنوبي سابقاً (عدن، حضرموت، أبيَن، شبوة، المهرة، لحج) كان مسموحاً لهم “التخزين”، تعاطي القات، في يومي الخميس والجمعة فقط. أما اليوم فإنهم يعتبرون دخول الشجرة الملعونة (القات) إلى مناطقهم جاء بمؤامرة مخطط لها؛ إذ كان محرماً قبل الوحدة بين الشمالي والجنوبي
ويؤكد الباحثون أن التوسع الكبير في زراعة القات كان بعد قيام ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 بسبب انفتاح البلاد وظهور الأسواق واتساع الهجرة إلى المدن وإلى خارج البلاد وتأثير ذلك على زيادة دخل الفرد بسبب الهجرة وعائدات المغتربين التي كانت تصرف على شراء الكماليات وتعاطي القات وبناء المساكن في ظل عدم وجود أية مشاريع أو خطط تنموية استثمارية من شأنها تسخير هذه التحويلات للنهوض بالاقتصاد المحلي. وقد لخص الباحث محـرم (1996) أسباب انتشار زراعة القات كالتالي:
عدم وجود سياسة واضحة للتعامل مع القات *
العائد الكبير من زراعته بالمقارنة مع المحاصيل الأخرى *
تحمَل القات للجفاف وتدني خصوبة التربة *
نجاح زراعته في الأراضي الهامشية *
متطلباته المحدودة من الأسمدة والمبيدات *
سهولة خدمته وحاجته لعمالة أقل *
توفر أسواق جاهزة لتصريفه *
وجود أسعار لأنواع القات ترضي مختلف فئات المجتمع *
إمكانية الحصول على أكثر من قطفة من وحدة المساحة في العام *
ارتباط القات بالأنشطة الاجتماعية (صارت جلسات القات أماكن للقاءات وحل المشاكل) *
تأثير القات المنشط (حيث أدى إلى انتشار مضغه بين أوساط الشباب والطلاب والعمال)، بالإضافة إلى انحسار الزراعة المطرية والزراعة المعتمدة على الري بمياه السيول.
وقد كان لانتهاج الحكومة اليمنية سياسة دعم استيراد المواد الغذائية، وتوسع برامج الدعم الغذائي من البرامج الدولية والدول الصديقة، أثراً بالغاً في انحسار زراعة الحبوب والاستعاضة عنها بالحبوب المستوردة لصالح محاصيل أخرى على رأسها القات.

نبات مخدر

أدرجت منظمة الصحة العالمية القات عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة، بعدما أثبتت أبحاث المنظمة التي استمرت ست سنوات احتواء نبتة القات على مادتي نوربسيدو فيدرين والكاثين المشابهتين في تأثيرهما للأمفيتامينات.
وينتشر تعاطي القات على نطاق واسع في اليمن والصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا وجنوب إفريقيا، وتزرع شجرة القات على المرتفعات الجبلية والهضاب البالغ ارتفاعها حوالي 800 م من سطح البحر، ويصل طول الشجرة أحياناً إلى ستة أقدام، وتعتبر من النباتات المعمرة دائمة الخضرة، وذات قدرة كبيرة على تحمل تقلبات الطقس.